القبلة إلى المسجد الحرام بمكة

من طرف bennour الأربعاء يناير 23, 2019 6:03 pm

القبلة إلى المسجد الحرام بمكة

تابع الآية التي تعين لنا القبلة ، قال تعالى ..... قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ، فول وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ..... فالقبلة هي المسجد الحرام ، والذين يجب عليهم أن يتوجهوا شطر المسجد الحرام هم الناس وليس المستجد ، وبالتالي فالمساجد ليست حجة في القبلة فإنها لا تعني أبدا أن تلك هي القبلة التي أنزلها الله في الكتاب ، وكذلك لا تعني أن الناس كانوا يتوجهون لتلك القبلة المرسومة على الجدار أو المحراب الموجود في البناء أو أي شيء من هذا القبيل ، تابع .

أطرح سؤالا فأقول ، من هو الذي يكون قبل الآخر ، هل القرية توجد قبل مسجدها أم المسجد قبل قريته ؟
كلنا يعلم أن القرية هي التي توجد أولا ، فلو نأخذ أي قرية كيف ظهرت وكيف ظهر مسجدها نرى بأن بناء القرية بدأ يظهر تدريجيا من مجموعة صغيرة إلى مجموعة كبيرة ليصل إلى قرية ، وأن الناس تكون صلاتهم في البيت كل ما كانوا قليلا وعندما يكثر عددهم ينتقلون إلى مصلى صغير وقد يكون دار لأحدهم تؤدى فيها الصلاة ولما يصبح العدد كبير جدا يصبح التفكير في بناء مسجد ، والآن كيف يبنى المسجد ؟ فهل يبنى المسجد متوجها للقبلة ؟ أبدا أبدا ، فالمساجد تبنى متساوية مع بناءات القرى فهي تتبع الشكل الذي عليه القرية فهي تأتي متوازية مع المساكن تماما ، ويبنى المحراب على الجدار الذي يكون الأقرب إلى القبلة ، وقد يكون الفارق بزاوية كبيرة ، فالمسجد يتبع النظام والشكل الذي عليه مساكن القرية ولا يأخذ شكلا منفردا عنها ، فهو يبنى تماما كبيوتنا ، فنحن عندما نصلي في بيوتنا لا نصلي تجاه الجدار بل نصلي بزاوية معينة اجتهادا نحو القبلة وهذا تجده في أغلب البيوت وكذلك المسجد يكون بنفس الزاوية التي عليها مساكن القرية ، علما أن المحراب تجده دائما في وسط الجدار ليعطي نظرة جميلة حتى ولو كانت القبلة تقع في زاوية المسجد ، فالمحراب المبني في الجدار يكون دائما في الوسط ، وهذا يعطيك نظرة أن الاهتمام بالجمال يقدم على الاهتمام بالقبلة ، فانظر إلى المسجد الذي بمدينتك فإنك تجد هذا واضحا ، فالقبلة لا يعطى لها اهتمام كبير وما عليك إلا أن تصلي في أي مسجد شئت فإنك تجد المصلين متجهين صفوفا نحو الجدار وليس نحو القبلة بما في ذلك الإمام نفسه إلا قليلا جدا ، وأنا أتكلم بحكم الخبرة التي عشتها لما كنت أصلي الصلوات الخمس في المساجد ، وقد صليت في العديد منها ، فإني كنت أتوجه للقبلة وأنا داخل الصف فأقوم بزاوية معينة يمينا أو يسارا لأن الصفوف كانت تتجه للجدار وليس للقبلة ، فكنت تقريبا الوحيد في الصف من يتجه للقبلة ، وفي بعض المساجد التي كنت معروفا فيها والتي كان المصلون يقدمونني للصلاة بهم أثناء غياب الإمام فقد قمت مع بعض المصلين بإصلاح داخل المسجد وذلك بوضع خيوط داخل المسجد تتجه نحو القبلة ، فأصبح المصلون يتوجهون نحو القبلة صفوفا بزاوية جد كبيرة تكاد تصل إلى زاوية المسجد ، فكنت أقنع العديد باستخراج بوصلة كانت عندي آنذاك وخصوصا أن معها قائمة البلدان وكيف يتم التعرف على القبلة وكانوا يثقون بي حتى بدون البوصلة إلا أني كنت أرتكز على الإقناع ، فالكثير من المساجد تنحرف انحرافا كبيرا عن القبلة ليس بحكم بنائها فحسب بل لأن الناس بما فيهم الأئمة يصلون نحو الجدار لتكون الصفوف جميلة داخل المسجد ومنهم من يرى أن على الإمام أن يتجه نحو القبلة داخل المحراب وأن صلاة المأموم تؤخذ بصلاة الإمام ، وأستطيع أن أعطيك العديد من القبلات يمينا ويسارا عن الكعبة وبعشرات المساجد أو بالمئات والآلاف المساجد تتجه نحوها ، وبهذا يسقط ويبطل كل استدلال بالمساجد على القبلة ، والشيء الوحيد الذي يستدل به على القبلة هو كتاب الله الذي يفيد العلم وكل ما سواه من أركيلوجيا أو جداريات أو تاريخ فلا يخرج عن كونه ظن يصدق فيه قول الله سبحانه ..... إن الظن لا يغني من الحق شيئا ......
ملاحظة :
إن تغيير القبلة هو من أصعب التغييرات شرعا أي أن الناس تستطيع قبول تغيير الشرع في الكثير من الأمور التي ألفوها وذلك عند نزول القرآن والنبي بينهم ، فالمألوف يصعب تغييره ويزداد صعوبة بعد غياب النبي وذهاب الجيل المعاصر له ، وتخيل أن القبلة عند تغييرها أول مرة بحكم من الله صعب على المؤمنين تقبل ذلك فأنزل الله قوله ليطمئنهم على ذلك ، إذ يقول ..... وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ، وما كان الله ليضيع إيمانكم ..... إذن فتغيير القبلة شيء صعب جدا وخصوصا عندما يألفها الناس ، وأنت ترى أن الله أنزل آية لتشريعها والنبي موجود بينهم ومع ذلك صعب عليهم تقبلها ، إذ لا يمكن تغييرها بعد ذلك بعد أن ألفها الناس من جديد ثم تقدست عبر الأجيال فقد تصبح من المستحيل تغييرها مرة أخرى وخصوصا بدون تشريع إلاهي وفي غياب النبي وقد بين الله لنا عن الأقوام السابقة أنها استطاعت تغيير الكثير في الدين ، فالصلاة تضيع كقوله .... فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة .... وكذلك تقولوا على الله الكثير فجعلوا من الحرام حلالا والعكس ، فالكثير من جوانب الدين وقع عليه التحريف لكن القبلة لم يستطيعوا تحريفها وبقيت لكل أمة قبلتها حتى تأتي القبلة الجديدة التي يشرعها الله كقوله .... ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض .... وهذا يجعل من القبلة الحالية هي القبلة الثانية التي استقر عليها الوضع أثناء النبي ومن بعده .
واما ما ذهب إليه دان جيبسون من سرقة الحجر الأسود ثم الذهاب به إلى مكان معين وتشييد مسجد ثم دعوة الناس إليه ليكون هو المسجد الحرام فهذا الطرح ضعيف جدا ولا يمكن تغيير القبلة بهذه السهولة وخصوصا أن الله لم يذكر الحجر الأسود في الكتاب وإنما قال .... فول وجهك شطر المسجد الحرام ..... فالمسجد يأخذ مفهوما أكثر من البيت الحرام ، فالبيت يجلب الأنظار إلى البناء وأما المسجد فيجلب الأنظار إلى المكان بحيث أن السجود يقع على الأرض ومن هنا يأخذ البيت في التوسع على الأرض قدر الحاجة ، فالمسجد هو المساحة الأرضية التي بداخل البيت وخارجه بما يكفي المصلين ، وبالتالي فنحن أمام مكان أكثر من بناء في توجهنا للقبلة ، فلا يمكن أن يؤثر سرقة جزء من البناء ، أو حتى سرقة البناء نفسه لا يمكن أن يؤثر في تغيير القبلة ناهيك عن سرقة شيء ليس له أصلا في الكتاب لا في البناء ولا في الأرض : الحجر الأسود .
النتيجة
القبلة لا تحدد بالمحراب الموجود في جدار المسجد كما أوضحت في المقال ، وتبقى القبلة هي المسجد الحرام الذي هو قائم بيننا والذي يحج إليه الناس إذ لا يوجد مسجد حرام آخر يحج إليه الناس ، ويبقى هذا المسجد الحرام والحج إليه حجة على كل الناس ما دام قائما بحجه ولا يضاهيه مسجد آخر ، ولن يستطيع أحد أن يغير هذه القبلة إلى يوم الدين .

الكاتب : بن نور صالح
التاريخ : 29 / 07 / 2018