رفع الله إليه نبيه عيسى بجسمه
صفحة 1 من اصل 1
رفع الله إليه نبيه عيسى بجسمه
رفع الله إليه نبيه عيسى بجسمه
قضية الرفع
إن عيسى ابن مريم رفعه الله إليه بجسده ولا شك ولا غرابة في هذا .
قال تعالى [ وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ، وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ، ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا ، بل رفعه الله إليه ، وكان الله عزيزا حكيما ]
[ وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ] فالآية تتكلم عن اليهود الذين افتروا على مريم افتراء عظيما ، وكذلك قولهم [ إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ] فقد ذكر القتل ولم يذكر الصلب ، ويبدو أن الصلب كان شائعا في القتل ، أي ما من إنسان يريدون قتله إلا وصلبوه ولهذا قال القوي العزيز
[ وما قتلوه وما صلبوه ] فنفى أنهم قتلوه ثم بين أنهم لم يصلبوه أيضا لئلا يتوهم أحد فيظن أنهم لم يقتلوه ولكن صلبوه أو لم يمت أو نجاه الله بعد ذلك أو طرأ شيء ما ، وبهذا قضى الله على فكرة الصليب من أساسها حتى لا تجد أي جذور تركز عليها بعد نزول القرآن ، لأن فكرة الصليب تطورت بين اليهود والنصارى وأخذت ألوانا عديدة حتى استقرت إلى ما هي عليه الآن ، وكان القرآن بهذه الآية قد قطع الطريق أمامها وأوقف زحفها عند أمة القرآن ، [ وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ] فقوله [ ولكن شبه لهم ] يفيد أن زعمهم أنهم قتلوا عيسى قد وقع فيه شبهة فالتبس الأمر عندهم ، فاختلفوا في قتله ، حتى أن الذين قالوا منهم قتلناه لم يكونوا متيقنين من ذلك ، بل كان قولهم هذا بناء على الظن وهذا ما قاله الله عنهم [ وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ، ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ، وما قتلوه يقينا ] فقد جعل الله لهم شبهة وأصبح لديهم غموض في ما زعموا ، ولا نعرف ما هي هذه الشبهة ولا توجد أي معلومات عنها في كتاب الله ، فقد تطرق الله إلى قضية القتل والصلب ونفى ذلك عن عيسى ابن مريم وبين أنهم في شك من ذلك غير متيقنين وبالتالي فقد ألغى القصة بكاملها ، ويبدو من خلال الكلام أن عيسى ابن مريم اختفى ، فالنفس إذن تتشوق لمعرفة ماذا حدث بما أنه لم يقتل ولم يصلب، يقول الله بعدما ألغى القصة بكاملها [ بل ]وإذا توقفنا عند هذا الحرف [ بل ] نعرف بأن الله يريد أن يقص علينا الحقيقة التي وقعت ، فالحرف [ بل ] جاء للفصل بين القصة المكذوبة التي ألغاها الله والقصة الحقيقية التي سيذكرها الله بعد الحرف [ بل ] وهو قوله [ بل رفعه الله إليه ] أي أن عيسى لم يقتل ولم يصلب كما يدعون بل رفعه لله إليه أي رفعه بجسمه وهذه هي القصة الحقيقية ، ولا يمكن أن يكون الرفع مجازا أو معنويا والقصة التي الغاها الله وكذبهم فيها كانت تتكلم عن عيسى بجسمه حقيقة ، فالرفع المجازي والمعنوي لا ينفي الصلب والقتل ، فمن قال أن الرفع مجازا أو معنويا فقد أثبت الصلب والقتل بقصد أو بغير قصد وكأنه يقول نعم عيسى ابن مريم صلب وقتل ولكن في الحقيقة لم يقتل ولم يصلب إنما زاده الصلب والقتل رفعة عند الله وهذا منكر من القول وزور ، ولو فرضنا أن التعبير بقول ( بل رفعه الله إليه ) يعني مجازا فما هو التعبير الذي يجب أن يقال ليعبر عن الرفع حقيقة . فالرفع وقع حقيقة .
عندما يكون الأمر يتعلق بقضية فيها تصديق وتكذيب يأتي الحرف [ بل ] ليعرض الحقيقة ، ومثل ذلك قوله تعالى [ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين ، قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ] فالحرف بل جاء ليفصل قولين متناقضين ، فلما ذكرالمستضعفون أن عدم إيمانهم كان سببه المستكبرون كذبهم المستكبرون ونسبوا ذلك إلى إجرامهم وجاء الحرف [ بل ] ليذكر حجتين متناقضتين ثم عقب المستضعفون فقالوا [ بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ]فإن الحرف [ بل ] ذكر في هذه الآية مرتين وفي كل مرة جاء من فريق يريد تكذيب الآخر ويعرض الحقيقة التي يراها كل فريق
مثال آخر في قوله تعالى [ أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت ، قال لبثت يوما أو بعض يوم ، قال بل لبثت مائة عام ] فالحرف [ بل ] جاء ليفصل بين حالتين ويعرض الحالة الحقيقية [ قال لبثت يوما أو بعض يوم ، قال بل لبثت مائة عام ] لقد لبث مائة عام حقيقة وليس مجازا
إن الله أخبر عيسى بأنه سيتوفاه ويرفعه إليه وذلك عندما يريد الكفار ألنيل منه ولا بد أن هذا الإخبار قد نزل في الإنجيل قبل ضياعه وعلم به المؤمنون الذين آمنوا بعيسى فقد كانوا على علم بأنه سيرفعه الله إليه وذلك لكي لا يشتبه عليهم الأمر عند حدوثه ويضل المؤمنون ، فكما أخبرنا أخبرهم وذلك ما جاء في قوله عز وجل
[ إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ] فقوله متوفيك في المستقبل ورافعك في المستقبل ومطهرك في المستقبل ،إذن فالخبر نزل على عيسى قبل حدوثه ، وذكر الله الوفاة مقابل القتل أي يموت دون أن يمسه أحد بعذاب ، وذكر الرفع مقابل الصلب أي أن الجسد سيرفعه الله إليه ولن يتمكن أحدا من صلبه ولا من خدشه ، فقوله [ ورافعك إلي ] الذي يفيد المستقبل يعني الرفع سيكون حقيقة إذ لا معنى له في الإيجاز فلو كان مجازا ما احتاج لانتظار المستقبل كأن يقول له سأرفع من قيمتك في المستقبل أما الآن ستبقى في قيمة دنيا معاذ الله .
[ ورافعك إلي ] تحمل نفس الصيغة لقوله [ بل رفعه الله إليه ] التي ذكرها في آية أخرى ، وتكرار الرفع وبنفس الصيغة يزيد تأكيدا على أن الرفع وقع حقيقة لأن في المجاز يقال رفعه الله ولا يقال رفعه الله إليه .
bennour- Admin
- المساهمات : 164
تاريخ التسجيل : 03/06/2018
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى